قَوْلُهُ : ( عَنْ أَبِي هُرَ يْرَةَ رِوَايَةً ) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ رَفْعِ الْحَدِيثِ إِلَى رَسُولِ " - ص 373 -" اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِلَّا لَكَانَ مَوْقُوفًا ( يُوشِكُ ) بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ أَيْ يَقْرُبُ ( أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ ) هُوَ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ اسْمٌ لِيُوشِكَ وَلَا حَاجَةَ إِلَى الْخَبَرِ لِاشْتِمَالِ الِاسْمِ عَلَى الْمُسْنَدِ وَالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ ( أَكْبَادَ الْإِبِلِ ) أَيِ الْمُحَاذِيَ لِأَكْبَادِهَا يَعْنِي يَرْحَلُونَ وَيُسَافِرُونَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ " - الرحلة والسفر في طلب العلم - " وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ إِسْرَاعِ الْإِبِلِ وَإِجْهَادِهَا فِي السَّيْرِ .
قَالَ الطِّيبِيُّ : ضَرْبُ أَكْبَادِ الْإِبِلِ كِنَايَةٌ عَنِ السَّيْرِ السَّرِيعِ ؛ لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ يَرْكَبُ الْإِبِلَ وَيَضْرِبُ عَلَى أَكْبَادِهَا بِالرِّجْلِ ، وَفِي إِيرَادِ هَذَا الْقَوْلِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ طَلَبَةَ الْعِلْمِ أَشَدُّ النَّاسِ حِرْصًا ، وَأَعَزُّهُمْ مَطْلَبًا ؛ لِأَنَّ الْجِدَّ فِي الطَّلَبِ إِنَّمَا يَكُونُ بِشِدَّةِ الْحِرْصِ وَعِزَّةِ الْمَطْلَبِ ، وَالْمَعْنَى : قَرُبَ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ يَسِيرُ النَّاسُ سَيْرًا شَدِيدًا فِي الْبُلْدَانِ الْبَعِيدَةِ ( يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ ) حَالٌ أَوْ بَدَلٌ ( فَلَا يَجِدُونَ أَحَدًا ) أَيْ فِي الْعَالَمِ ( أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ ) قِيلَ هَذَا فِي زَمَانِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَتِ الْعُلَمَاءُ الْفُحُولُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَكْثَرَ مَا كَانُوا بِالْمَدِينَةِ فَالْإِضَافَةُ لِلْجِنْسِ
قَوْلُهُ : ( قَالَ فِي هَذَا مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ ) قَوْلُهُ : مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ هَذَا ( إِنَّهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ) يَعْنِي إِمَامَ دَارِ الْهِجْرَةِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ( هُوَ الْعُمَرِيُّ الزَّاهِدُ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ) كَذَا فَسَّرَ التِّرْمِذِيُّ الْعُمَرِيَّ الزَّاهِدَ بِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بِأَنَّ الْعُمَرِيَّ الزَّاهِدَ هُوَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ ، فَقَالَ فِي تَرْجَمَتِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيُّ الْعُمَرِيُّ الزَّاهِدُ الْمَدَنِيُّ ، رَوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُرْسَلًا لَمَّا اسْتَعْمَلَ عَلِيًّا عَلَى الْيَمَنِ ، قَالَ لَهُ قَدِّمِ الْوَضِيعَ قَبْلَ الشَّرِيفِ . قَدِّمِ الضَّعِيفَ قَبْلَ الْقَوِيِّ ، وَعَنْ أَبِيهِ وَغَيْرِهِ وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِ ، قَالَ النَّسَائِيُّ ثِقَةٌ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ ، وَقَالَ كَانَ مِنْ أَزْهَدْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَشَدِّهِمْ تَخَلِّيًا لِلْعِبَادَةِ ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ : كَانَ عَابِدًا نَاسِكًا عَالِمًا ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : سَمِعْتُ إِسْحَاقَ يَقُولُ : سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ . الْحَدِيثَ ، هُوَ الْعُمَرِيُّ . وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ " - ص 374 -" أَخْبَرَنَا مُصْعَبٌ قَالَ : كَانَ الْعُمَرِيُّ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَيَتَقَدَّمُ بِذَلِكَ عَلَى الْخُلَفَاءِ ، وَيَحْتَمِلُونَ لَهُ ذَلِكَ . وَقَالَ الزُّبَيْرُ : كَانَ أَزْهَدَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَعْبَدَهُمْ ، انْتَهَى مُخْتَصَرًا . وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَا لَفْظُهُ : عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ ، وَهُوَ وَالِدُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّاهِدِ الْعُمَرِيِّ ، انْتَهَى . فَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، وَالصَّوَابُ أَنَّ اسْمَ الْعُمَرِيَّ الزَّاهِدَ عَبْدُ اللَّهُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ .